با كثير .. من مكافح للاحتلالين "الهولندي و الياباني" بإندونيسيا إلى ثائر على الشيوعية في "مصر"
التقى بالملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود و ابنيه الاميرين "سعود وفيصل" في الحجاز
باكثير لليساريين: لا يهمني أن ينشر ما أكتب في حياتي، إنِّي أرى جيلاً مسلماً قادماً يتسلَّم أعمالي ويرحب بها
يصادف الخامس عشر من شهر رجب الجاري بزوغ نجم في سماء حضرموت وشبه الجزيرة العربية و مصر و إندونيسيا، إنه علي أحمد باكثير ، صاحب الأدب المثير، حضرمي الأصل، إندونيسي المولد، مصري الموطن الأدبي.
ولد الأديب باكثير يوم 15 من ذي الحجة 1328هـ بمدينة سوروبايا بإندونيسيا لأبوين حضرميين، حيث كتب عن مسقط رأسه مسرحية (عودة الفردوس) التي صوّر فيها كفاح الإندونيسيين ضد الاستعمار الهولندي و الياباني.
و لما بلغ العاشرة من عمره، سافر به أبوه إلى حضرموت لينشأ نشأة عربية إسلامية، فوصل سيئون في 15 رجب 1338هـ الموافق 5 أبريل 1920م، و هناك نظم الشعر في الثالثة عشر من عمره، و مكث في حضرموت حتى عام 1932م حيث غادرها إثر وفاة زوجته الشابة بعد سنوات قليلة من زواجهما، لكنه تزوج بعد ذلك في مصر سنة 1943م من سيدة مصرية، ثم منح الجنسية المصرية بعد ذلك بموجب مرسوم ملكي للموافق 22/8/1951م.
سلم النبوغ:
تلقى الأديب باكثير تعليمه على مرحلتين مختلفتين، حيث كانت الأولى بسيئون حيث اكمل بها تعليمه لغاية الثانوية في مدرسة النهضة العلمية، و تولى التدريس بها ثم إدارتها و هو دون العشرين من عمره.
و بعد انتقالها لمصر، أكمل الأديب تعليمه الجامعي في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) حيث حصل على ليسانس الآداب قسم اللغة الانجليزية سنة 1939م.
و قد ترجم أثناء دراسته في الجامعة 1936م مسرحية (روميو و جوليت) لشكسبير بالشعر المرسل، و بعدها بعامين ألّف مسرحية (اخناتون و نفرتيتي) بالشعر الحر، ليكون بذلك رائد هذا النوع من النظم في الوطن العربي.
كان باكثير يجيد الكثير من اللغات إلى جانب لغته العربية الأم (كالإنجليزية والفرنسية والملاوية)
باكثير "نابغة الأدب العربي"
نبغت أدبيته مع هبوب رياح التغيير و الثورات في العالم الإسلامي عامة و الوطن العربي خاصة، حيث أبدع في الأدب شعراً و نثراً، فقد كتب الأشعار السياسية و الرثائية، و الوطنية والدينية، و غيرها.
و كذلك كان رائد من رواد المسرح العربي، حيث كانت أول إعماله المسرحية (همام أو في بلاد الأحقاف) و طبعهما في مصر أول قدومه إليها، غير أن أغلب شعره لم ينشره في حياته، حيث كان شعره إما في مخطوطات، و إما متناثر في الصحف والمجلات التي كان ينشر فيها، و قد أصدر د. محمد أبوبكر باحميد 1987م ديوان باكثير الأول (أزهار الربى في أشعار الصبا) و يحوي القصائد التي نظمها باكثير في حضرموت قبل رحيله عنها، بالإضافة لكتب ألفها الدكتور في شعر باكثير.
و جلَّ أعماله المسرحية و الروائية قد مثَّلت و نشرت في وسائل إعلامية مختلفة (الإذاعة – التلفزيون – المسرح).
بالإضافة إلى ذلك، فقد كانت أغلب التراجم الأدبية للأديب للأدب الآخر أحدى أسباب زهو أدبه و تفننه فيه.
و قد حظي الاديب باهتمام بالغ من قبل وزارة الثقافة المصرية التي يعمل بها بقسم الرقابة على المصنفات الفنية، حيث منحته تفريغ لمدة عامين، حيث يعد باكثير أول اديب منح هذا التفرغ في مصر، أنجز خلالها الملحمة الكبرى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، إلى جانب منحه عدة تفرغات أخرى أنجز خلالها العديد من المسرحيات.
شهرة الأديب:
انتشرت أعماله في الصحف و المجلات السعودية و المصرية، إلى جانب الإذاعة و التلفزيون المصري و الكويتي.
مقابلة الاديب بالتلفزيون الكويتي قبيل وفاته بخمسة أشهر "إبريل 1969م" ببرنامج "فن و فكر"
كذلك فإن أسفاره الأدبية لمختلف البلدان لحضور ندوات و مجالس الأدب، أو نظم الشعر وكتابة النثر، لها دور في شهرته، حيث وثقها د. محمد أبوبكر باحميد بكتاب (يوميات علي أحمد باكثير)، و من أبرز أسفاره سفره إلى الحجاز، حيث ألتقى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود و ابنيه (سعود وفيصل) و ترك في الحجاز تراثاً أدبياً، وهو ديوان (صبا نجد و أنفاس الحجاز) يتناول فيه تفاصيل إقامته بالحجاز، و وقفاته مع الأدباء بالحجاز. كما شملت أسفاره روسيا و الجمهوريات الاسلامية بالاتحاد السوفيتي و بلدان أوروبية و تركيا، و السودان والحبشة والصومال. و مما زاد من شهرته، التفاف أدباء حوله من أنحاء الوطن العربي، أمثال: د. نجيب الكيلاني، و عبدالله الطنطاوي، وبدر شاكر السياب، و د. نذير العظمة، و يحي العلمي، و سيد قطب، و خيري حماد، و غيرهم. حاز على العديد من أوسمة الشرف من مؤسسات حكومية مصرية و يمنية، و كان من أبرز تلك الأوسمة وسام العلوم و الفنون من الدرجة الأولى الذي منح للأديب من قبل الرئيس المصري الراحل/ جمال عبد الناصر سنة 1963م، و وسام الآداب و الفنون من قبل هيئة رئاسة المجلس الأعلى في دولة اليمن الجنوبي (سابقاً) سنة 1985م، و وسام الأدب و الفنون من قبل الرئيس السابق/علي عبدالله صالح سنة 1998م.
تكريم الأديب من قبل الرئيس المصري الراحل/ جمال عبد الناصر
في ذمة الله:
انتقل الأديب إلى جوار ربه في غرة رمضان 1389هـ، ودفن في مقبرة الشافعي إلى جوار قبور عائلة زوجته المصرية، حيث قال قبيل وفاته بأشهر معبراً عن وفائه و اعتزازه بأم الدنيا (مصر):
من يرى مصر ولا يعشق مصرا جنة في الأرض للرحمــن أخرى
وترى في كل شبر منه ذكرى كبدي من حب مصر الدهر حرى
و قد نعاه الشعراء، و ألَّف حوله بعد ذلك الباحثون و الأدباء، و قد تنبأ الأديب بذلك شعراً و نثراً حين قال في وجه اليساريين بمصر:
(إنِّهم يحسبون أنَّهم سيقتلونني عندما يمنعون الأخبار عني، أو يحاربون كتبي، ويحجبون مسرحياتي عن النَّاس. أنا على يقين أن كتبي وأعمالي ستظهر في يوم من الأيام، وتأخذ مكانها اللائق بين النَّاس، في حين تطمس أعمالهم وأسماؤهم في بحر النسيان؛ لهذا فأنا لن أتوقَّف عن الكتابة، ولا يهمني أن ينشر ما أكتب في حياتي، إنِّي أرى جيلاً مسلماً قادماً يتسلَّم أعمالي ويرحب بها)
ليصير الحلم حقيقة، و يتحقق ما قاله علي أحمد باكثير عن بني جلدته:
وإن لـنـا مـواهـب ســـامـيـات بني الأحقاف أدهشت القرونـا الا فاستعملوها في الـمــعـالـي تنالوا في الورى المجد الأثـيـنا فـقـد لـعـبـت بـأدوار كـبـــــار جـدودكم الـكرام الـسـالـفـونــــا ولو ثقفت يوما حضرميا لجاءك آيـــــــــــة في النابغينــا